الخطاب الملكي يدعو للتقارب… والبوليساريو تختار لغة التصعيد

في أعقاب الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس مساء الثلاثاء، بمناسبة الذكرى الـ26 لعيد العرش المجيد، لم تنتظر جبهة “البوليساريو” سوى بضع ساعات قبل أن تخرج ببلاغ تصعيدي، بدا وكأنه رد غير مباشر على اليد الممدودة من العاهل المغربي إلى الجزائر، ودعوته الصريحة إلى حوار جاد ومسؤول يطوي صفحة الخلافات بين الجارين.

 

 

 

بلاغ الجبهة لم يحمل جديداً، سوى إعادة تدوير نفس الأسطوانة المشروخة التي ترفعها منذ عقود، وفي مقدمتها مطلب “تقرير المصير”، متجاهلاً عن قصد التحولات الدولية والإقليمية العميقة، وفي مقدمتها مواقف مجلس الأمن الأخيرة التي شددت على أولوية الحل السياسي التوافقي والواقعي، في إشارة صريحة إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأرضية جدية وذات مصداقية.

 

 

 

الخطاب الملكي تميز بنبرة انفتاح واضحة، وأكد فيه جلالته حرص المغرب الثابت على بناء علاقات طبيعية مع الجزائر، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر، مشدداً على أن الشعب الجزائري يظل شعباً شقيقاً، وأن المغرب لا يرى في الجزائر سوى شريك استراتيجي محتمل لتجاوز خلافات الماضي وبناء المستقبل المشترك.

 

 

 

لكن عوض أن يصدر الرد من السلطات الرسمية الجزائرية، كما كان مأمولاً، فضّلت دوائر القرار في الجزائر أن تعبّر عن موقفها عبر واجهتها المألوفة، جبهة البوليساريو، التي بات الجميع يدرك أنها لا تتحرك إلا بإيعاز مباشر من جنرالات قصر المرادية. موقف الجبهة جاء متشنجاً، ومتعارضاً تماماً مع الروح الإيجابية التي طبعت الخطاب الملكي، وهو ما اعتبره مراقبون استمراراً لسياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها الجزائر، ورفضاً ضمنياً لأي انخراط صادق في مسلسل تطبيع العلاقات مع المغرب.

 

 

 

هذا التعنت يعكس، وفق قراءات متطابقة، استمرار هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي في الجزائر، مقابل تهميش تام للدبلوماسية والمؤسسات المدنية، في وقت تعرف فيه الجزائر عزلة إقليمية ودولية متنامية بسبب تصلب مواقفها وعدائها المستمر للمبادرات الواقعية.

 

 

 

الواقع الجيوسياسي اليوم بات أكثر وضوحاً: عدد من القوى الدولية الكبرى، كأمريكا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا والبرتغال، عبّرت عن دعمها الصريح للمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل جدي لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. وهو ما يعكس تغيّراً نوعياً في ميزان المواقف الدولية لصالح الطرح المغربي، ويُفقد الأطروحة الانفصالية ما تبقى لها من سند.

 

 

 

الملك محمد السادس جدد في خطابه التزام المغرب بالبحث عن حل لا غالب فيه ولا مغلوب، مبرزاً استعداد المملكة لبناء علاقات تقوم على التعاون لا المواجهة، وعلى الشراكة لا القطيعة. غير أن الرد الجزائري، وإن جاء بصوت البوليساريو، وجه رسالة واضحة للعالم: مفادها أن القيادة الجزائرية لا تزال أسيرة حسابات أيديولوجية بائدة، وأن منطق الثكنة لا يزال هو المتحكم في مقاربتها لقضايا المنطقة، على حساب تطلعات شعوبها إلى الاستقرار والتنمية والتكامل


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...