الداخلة تحت رحمة “شناقة العقار”.. فوضى الأسعار تُهدد السلم الاجتماعي والسلطات مدعوة للتدخل العاجل
تشهد سوق العقار بمدينة الداخلة منذ أشهر حالة غير مسبوقة من الفوضى وغياب التنظيم، وسط ارتفاع صاروخي في الأسعار، فرضه واقع يهيمن عليه سماسرة ووسطاء لا يترددون في المتاجرة بوهم العقارات وتحويل المنصات الاجتماعية إلى فضاءات لتضليل المواطنين والتلاعب بأحلامهم في التملك والسكن.
ورغم أن المدينة تعاني أصلاً من ندرة في الوعاء العقاري ومن أزمة سكن خانقة تضرب فئات واسعة من الساكنة، فإن ما يجري اليوم من مضاربات وتلاعبات عمّق الأزمة ورفع من منسوب القلق في أوساط المواطنين، خاصة الشباب والأسر محدودة الدخل، التي وجدت نفسها أمام حواجز إسمنتية من الأثمنة الخيالية، والمغالطات المنتشرة على نطاق واسع.
وبجولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً “فيسبوك” و”إنستغرام”، يتبين أن السوق العقارية بالداخلة أصبحت في قبضة شبكة من “الشناقة”، الذين لا يترددون في عرض بقع أرضية غير مجهزة بأسعار خيالية، بل ويتعمد بعضهم تصوير مشاريع قيد الإنجاز في المدينة، ليوهم المتابعين بأن لديه معلومات “خاصة” حول تجهيزات وتجزئات قادمة، لا وجود لها في الواقع، ولا في أي مخطط عمراني رسمي.
المثير في الأمر أن عدداً من الوثائق الخاصة ببقع سبق للدولة أن وزعتها على مستفيدين في إطار برامج الدعم أو التجهيز، يتم اليوم تداولها على نطاق واسع في صفحات وسطاء العقار، ويُعاد بيعها بملايين الدراهم، رغم أن تفويتها يخضع لشروط قانونية صارمة، في غياب تام لأي رقابة أو تدخل من الجهات المعنية.
بل الأخطر من ذلك، أن مشاريع استثمارية موجهة لأغراض تنموية، يمنع القانون تفويتها أو التصرف فيها، أصبحت بدورها تُعرض للبيع من طرف سماسرة، في حملات استهداف منظمة لمواطنين من داخل المملكة، وخصوصاً من جهات الشمال، إضافة إلى أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ممن يُغرون بالاستثمار في ما يُقدَّم لهم كـ”فرص نادرة” و”مواقع استراتيجية”.
هذه الفوضى المتصاعدة ألقت بظلالها الثقيلة على دينامية سوق العقار بالجهة، فتوقفت عمليات البيع والشراء بشكل شبه كلي، وانعدمت الثقة بين المواطنين والعروض المطروحة، كما تحوّل حلم السكن إلى هاجس ثقيل في ظل انفلات الأسعار وغياب المعلومة الدقيقة.
أمام هذا الواقع المقلق، تجد السلطات الترابية والإدارية نفسها أمام مسؤولية مباشرة لاستعادة زمام المبادرة وتنظيم السوق، عبر تفعيل المراقبة، وتقييد تداول العقار غير القابل للتفويت، والحد من ترويج المعلومات المغلوطة، حماية للساكنة من فوضى السماسرة، وصوناً للسلم الاجتماعي الذي بات مهدداً في مدينة تعاني أصلاً من ندرة الموارد العقارية وضغط الحاجة إلى السكن.
الداخلة، اليوم، أمام مفترق طرق حقيقي: فإما تدخل حازم يُعيد للسوق توازنها، ويُعيد الثقة للمواطنين، أو استمرار الفوضى التي لن تُنتج إلا مزيداً من الاحتقان الاجتماعي والتباعد بين العرض والطلب، في مدينة تُراهن على الاستقرار والنمو المستدام