التقاضي أو المحاكمة عن بعد…تذكير بالسياق في الدول المغاربية: تونس الجزائر والمغرب نموذجا.

في ظل أزمة كورونا التي اجتاحت العالم أواخر 2019 والتي ما تزالت تداعياتها مستمرة إلى حدود كتابة هذه الأسطر ، اقتضت الضرورة أن تتأرجح الموازين وتنقلب في بعض الأحيان، وجاءت رياح التغيير على العالم بأسره وعلى جميع المستويات، ولم يسلك جهاز القضاء هو الآخر من موجة التدابير الجديدة.

 

وقبل الحديث عن تجربة كل دولة بعينها، من الواجب التذكير بالسياق العام الذي فرض نفسه على كوكب الارض من أجل الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” . ففي بلاد قرطاج ، عقدت أول جلسة تجريبية لمنظومة المحاكمة عن بعد باستعمال وسائل الاتصال المرئية الحديثة ،بداية شهر ماي المنصرم وذلك بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة عن طريق الربط المباشر بين المحكمة و تجهيز قاعتين بالمؤسسة السجنية “المرناقية” ،وبهذه التجربة أعطيت الانطلاقة لاعتماد المحاكمات عن بعد بدولة تونس.

 

وأعقب هذا الإجراء تصريح السيدة ” ثريا الجريبي ” وزيرة العدل التونسي الذي أثنت فيه عن نجاح العملية، واعتبرتها ” ضمن برنامج رقمنة العدالة، في إطار مذكرة تفاهم وقعت بين وزارة العدل و الإقتصاد والاتصال الرقمي ،كما أضافت الوزيرة على أن هذه العملية ” خطوة أولى فارقة في تاريخ منظومتي العدل و السجون. وبالانتقال إلى الجارة الشرقية الجزائر، وجب للتذكير أنه إلى حدود نهاية ماي المنصرم بالظبط 29 ماي 2020، فهناك استمرار لتعليق العمل بالمحاكم في جميع تراب الجمهورية الجزائرية، و السماح فقط بانعقاد جلسات الغرف المدنية بالمجالس القضائية واعتماد الحضور الحصري للمحامين. حيث أشار بيان وزارة العدل وقتها أن اللجوء إلى تقنية المحادثة المرئية عن بعد في إجراءات الاستجواب وسماع الأطراف من طرف قاضي التحقيق (وفي القضايا وصفت بالبسيطة فقط كما جاء في البيان..) حيث تم تحديد إجراءات مغايرة بخصوص القضايا الاخرى تتيح إمكانية أن ينتقل قاضي التحقيق إلى المؤسسة السجنية التي يتواجد بها النزيل بتنسيق مع مديرها بعد أخذ إذن وكيل الجمهورية ، وبطبيعة الحال مع الاحترام التام لإجراءات السلامة والوقائية من انتشار عدوى ” كوفيد 19 ” .

 

أما ببلادنا المغرب، فالتذكير يلزمنا باستحضار سياق مهم جدا ، يتعلق الأمر بالمحاكمة النموذجية بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء قبل أربع سنوات (2016). وبعد هذه التجربة الفريدة من نوعها في تاريخ منظومة العدل بالمملكة، جاءت اعتماد نظام التقاضي عند بعد، تنزيلا للتوجيهات الصادرة من طرف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة و وزير العدل، عقب الإعلان الرسمي عن دخول إجراءات حالة الطوارئ الصحية حيز التنفيذ في مارس الماضي والسياق كما أسلفت الذكر جراء ما يعرفه العالم و ما يعانيه من تفشي وباء كورونا والذي زكاه ظهور حالات الإصابة بالفيروس في بعض سجون المغرب .

 

و بإجراءات عملية لإنجاح اعتماد التجربة هاته، تم تخصيص قاعات داخل بعض المؤسسات السجنية و ربطها بقاعات الجلسات بالمحاكم عن طريق وسائل الاتصال المرئية الحديثة من قبيل تطبيق “السكايب “و ذلك بحضور الهيئة القضائية و دفاع المتهمين والاستماع لأقوال المعتقلين من داخل المؤسسة السجنية عبر تقنية ” السكايب” . وكانت أولى جلسات المحاكمة عن بعد بمحكمة الإستئناف بمدينة الرشيدية جنوب شرق البلاد أواخر شهر أبريل 2020 .

 

وكخلاصة مقتضبة لكل هاته السياقات بكل من تونس ،الجزائر و بلادنا المغرب هوما ميز التجربة المغربية من تقسيم بين مؤيد و معارض لاعتماد عملية التقاضي عن بعد خاصة في القضايا الجنائية والتلبسية) وهنا استحضر موقف مجلس هيئة المحامين بالعاصمة الإسماعيلية مكناس و موقف هبة المحامين بالناظور على شكل تحفظ فيما وصف ب ” مساس اعتماد التقنية بشروط المحاكمة العادلة خاصة مبدأ الحضورية التواجهية والعلنية ، وفي المقابل تم تأييد التجربة من طرف هيئة المحامين بمدينة تطوان على سبيل المثال عن طريق تصريح نقيبها الذي أورد فيه أن إعتماد آلية المحاكمة عن بعد فرضه الظرف الاستثنائي الذي يمر منه المغرب شأنه في ذلك شأن باقي بلدان المعمور، بالإضافة إلى رأي آخر يقر بأن شروط المحاكمة العادلة وفق المعايير الدولية مضمونة في نظام التقاضي عن بعد وان شرط الحضور متوفر ما دام هناك اتصال مباشر مع المتهم و دفاعه من جهة والهيئة القضائية من جهة ثانية.وكل هذا ضمانا وحفاظا على صحة و سلامة المتقاضين وتجنب انتقال عدوى الفيروس الذي حصد الكثير من الأرواح في مختلف بقاع الأرض.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...