تمر الأمة العربية و الإسلامية اليوم بفترة بالغة الأهمية من كافة المناحي الدينية بالدرجة الأولى و السياسية بالدرجة الثانية، و لا عجب أن نرى ميلاد التطبيع العربي الإسرائيلي اليوم بعد مروره بالمراحل الجنينية في العشرية الآفلة كسابقتها، بعد ما كان سمعياَ لا “بصرياَ” برعاية أنظمة التصفيق و التخندع وبمباركة أمريكية غربية…
و بالعودة إلى التاريخ وظهور هذا الكيان الصهيوني الذي ومنذ نشأته “المكولسة” برعاية إنجليزية في ظرفية تَقزيم الإمبراطورية العثمانية وبداية دس السم اليهودي في العالم الإسلامي، سرعان ما بدأ التقارب بينه وبين الكيان الجديد وليس كما يعتقد البعض أن بداية التطبيع مع الكيان الصهيوني كانت في أعقاب توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” 1978، بل تعود الإرهاصات الحقيقية إلى عام 1948 حين وضعت دولة الاحتلال أولى أقدامها فوق أرض فلسطين بعد انهيار العثمانيين و ترك فلسطين تحت وصاية التاج البريطاني انذاك، إلا أن ممارسات التطبيع حينها كانت في إطار السرية ثم جاءت “كامب ديفيد” لتنقل التطبيع من مرحلة الخفاء إلى العلن، تبعتها المملكة الأردنية الهاشمية هي الأخرى عام 1994 عبر اتفاقية “وادي عربة” أو إتفاقية السلام كما أطلق عليها، ورغم الرفض الشعبي حينها لمثل هذه الاتفاقيات التي اقتصرت في مراحلها الأولى على التعامل الرسمي فقط، غير أنه ومع مرور الوقت بات الأمر مستساغًا لدى فئات عريضة من الجماهير العربية على المستويات كافة، بفضل المخططات التي بذلتها بعض العواصم العربية المهرولة إلى بناء شراكات مع تل أبيب. وفي الـ10 سنوات الأخيرة تحديدًا وبفضل المستجدات الإقليمية والسياسية قفزت مسيرة التقارب العربي الإسرائيلي قفزات خطيرة، وشهدت نقلة نوعية وضعت بعض الكيانات العربية على خريطة التطبيع بصورة واضحة، وهو ما كُشفَ عنه فيما بعد من خلال التسريبات الصحفية تارة والإلكترونية تارة أخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر.
ـ نشر موقع “ويكيليكس” وثيقة مؤرخة بـ24 من يناير 2007، كشفت تدفق وفود إسرائيلية وأمريكية يهودية على دولة الإمارات سرًّا
ـ شفت صحيفة “هآرتس” عن لقاء جمع بين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سرًا، بمدينة نيويورك الأمريكية في سبتمبر 2012
وتتشبث إسرائيل في العديد من إعتدائاتها على الشعب الفلسطيني سواءَ في غزة أو المستوطنات والقدس بالحصانة العربية قبل الحماية الأمريكية، لأنها لم تعد تخشى الجيوش العربية و لا المقاومة الفلسطينية التي تركتها للموت الاكلينيكي أما الشعوب العربية الإسلامية المغلوب على أمرها، إمتزجت لها صعوبة العيش في أوطانها وتنامي العولمة الثقافية في مجتمعاتها و أصبحت لا تقوى على تغير واقعها الداخلي فما بالك بالخارجي..
اليوم القضية الفلسطينية تساسُ بالمحاصصة من طرف أنظمتنا كلٌ حسب تأثيره الإقليمي، ووصلت بنا إلى مرحلة طباعة هذا الكتاب ـ التطبيع ـ بشكل رسمي موقعٌ من طرف النظام الإسرائيلي نفسه بعد ما مرّ بحميعِ مراحله المنهجية، ولكن لعلّ ما تشهده القضية الفلسطينية من تدهور وموتٍ سريري وتقاعُس من أشقائها العرب ـ عندما تكون “التسمية” أطول ذِكرا من الإنجازـ فالتاريخ لا يعترف بالتمتمة على الهوامش، سيحمل في طيّاتهِ معالم خير للشعب الفلسطيني و الشعوب العربية العاجزة، التطبيع اليوم ماهو إلا طباعة علنية لما أنجز سراً فيما مضى من معالم “الميثولوجيا التطبيعية” التي أصبحت تنتزعها إسرائيل ذاتياَ دون مباركة عربية …