الصورة (تعبيرية)
تعتبر جهة الداخلة وادي الذهب واحدة من أبرز المناطق الساحلية بالمملكة، حيث تتميز بموقعها الاستراتيجي على سواحل المحيط الأطلسي وبتنوعها البيولوجي الغني، في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه المنطقة وجهة رئيسية لتطوير مشاريع تربية الأحياء المائية التي شهدت انتشاراً واسعاً، خصوصاً فيما يتعلق بتربية المحار و كذلك الأسماك. هذا التوجه يأتي في إطار الاستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الصيد البحري بالمغرب، التي تسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص شغل محلية، وتعزيز مكانة المغرب كواحد من أهم الدول المصدرة للمنتجات البحرية.
يعود هذا الانتشار الكبير إلى عوامل متعددة، أبرزها جودة المياه في خليج الداخلة، الذي يتميز بنقائه وملاءمته لتربية الكائنات البحرية، إضافة إلى الظروف المناخية المعتدلة التي تسهم في تحسين الإنتاجية، المنطقة أيضاً تزخر بتنوع بحري غني يجعلها موطناً مثالياً لمزارع الأسماك والمحار، مشاريع تربية المحار في الداخلة، على سبيل المثال، أصبحت نموذجاً يحتذى به، إذ يتم تصدير كميات كبيرة إلى الأسواق العالمية، وخصوصاً أوروبا وآسيا، بفضل التقنيات المتطورة التي تعتمدها هذه المزارع لضمان جودة المنتج واستدامة البيئة البحرية.
على الرغم من هذه الإنجازات، فإن التساؤلات حول التأثيرات البيئية لتربية الأحياء المائية في المنطقة بدأت تطرح نفسها بجدية، فعلى المدى الطويل، قد تؤدي هذه الأنشطة إلى تداعيات سلبية على النظام البيئي البحري إذا لم تتم إدارتها بشكل مستدام، أحد التحديات البارزة هو احتمال تراكم المخلفات العضوية والكيميائية الناتجة عن تغذية الأحياء المائية واستخدام المضادات الحيوية، ما قد يؤدي إلى تلوث المياه، بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر هذه المزارع الكبيرة على الحياة البحرية الطبيعية من خلال الإخلال بالتوازن البيئي، خاصة إذا تم الإفراط في استغلال الموارد أو استخدام تقنيات غير ملائمة.
هناك أيضاً مخاوف من أن تؤدي الأنواع الدخيلة المستخدمة في بعض المزارع إلى تهديد الأنواع المحلية، حيث قد تنتقل الأمراض من الأحياء المائية المرباة إلى الكائنات البحرية الأصلية، على سبيل المثال، يمكن أن تنتج عن تربية المحار بكميات كبيرة تأثيرات على القاع البحري بسبب تراكم الفضلات والقشور، وهو ما قد يؤثر على التنوع البيولوجي المحلي.
رغم هذه المخاوف، يمكن التخفيف من هذه التأثيرات السلبية من خلال تبني سياسات مستدامة وإجراء دراسات تقييم الأثر البيئي قبل إنشاء المزارع. على سبيل المثال، يمكن اعتماد تقنيات الاستزراع المتكامل الذي يجمع بين تربية الأسماك والطحالب والمحار، حيث تساهم الطحالب والمحار في تنقية المياه وتقليل الآثار البيئية السلبية. كما يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على استخدام الأدوية والمضادات الحيوية لضمان عدم تسربها إلى النظام البيئي.
إن تربية الأحياء المائية بشواطئ جهة الداخلة تمثل فرصة اقتصادية واعدة ومصدراً محتملاً للنمو، ولكن هذا النمو يجب أن يتماشى مع استدامة البيئة البحريةوضمان الحفاظ على التنوع البيولوجي الذي يميز المنطقة. يبقى السؤال قائماً: كيف يمكن تحقيق توازن بين الاستغلال الاقتصادي لهذه الموارد والحفاظ على البيئة لضمان استمرار هذه الأنشطة مستقبلاً دون الإضرار بالنظام البيئي المحلي؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب جهداً مشتركاً بين جميع الأطراف المعنية من مستثمرين وسلطات ومجتمع مدني.